Saturday, September 17, 2011

شئ من التأمل و الحكمة و الحكي من تجارب الحياة

ما بين دفتي مقدمة مشوقة تعرض ملخصا للحكايات تميز فيه بين ألوان الحب البناء منها و ما قتل، و بين خاتمة رائعة تحكي عما يتركه الإنسان من أثر و حقه في الحلم دون أن تأخذه الأحلام بعيدا، تأخذنا كاتبة"حكايات من الأحلام" في عمل إبداعي جديد. هي واحدة من أعضاء ثلاثي آل فودة المعروف في الأوساط الهندسية على المستووين المهني و المجتمعي تطل علينا بإبداع ليس في الناحية التقنية أو العمل التطوعي هذه المرة و لكن في الجانب الأدبي بكتاب يجمع بين بعض التأمل و الحكمة و الحكي من تجارب و خبرات الحياة.

للكتاب من عنوانه نصيب حين يحكي عن الخلوة وسط الطبيعة في الجزيرة الجميلة الخيالية النائية في "حلم الهروب" ثم تطور ذلك إلى التحليق بين السحب و مع الطيور التي يتبين أنها لا تختلف شيئا عن القطعان المربوطة فتنكسر الأجنحة بعد التسليم بقناعة الدوران في الساقية في "كيف ترى الحياة".

في "الوحدةأكاد أستشعر تماما تلك الحالة التي كتبت فيها هذه الدفقة الشعورية التي عبرت عن الكثير، ومثلها "أسوأ شعور"، بخلاف مقال "الغربة و الوطن" الذي شعرت أن فكرته لم تكتمل أو ربما احتاجت إعادة صياغة على مهل.

من الصور الرقيقة لحظات التأمل أثناء سقوط المطر في "الأختان" والتي وجدتني في نهايتها متعاطفا أكثر مع رأي الاخت الصغرى على عكس ما ظننته هدف القصة، وبخلاف الترجيح في "الأختين" جاءت "لأني أحبها لن أتزوجها" بالدفع في البداية تجاه إحدى وجهتي النظر ثم تركت في خاتمتها مفتوحة ليتم إعادة النظر في الاتجاهين من جديد.

القصص الأطول في الكتاب مثل "هذه الفتاة ستجلب لنا العار" تصلح لأن تكون سيناريو واحد من المسلسلات المصرية التقليدية وإن كان في بعضها يحدث أحيانا انقطاع في السرد أو الربط بين الفقرات أو ربما الوصول للنتيجة بسرعة أو بأسلوب مباشر على حساب الحبكة فيمتزج الجو القصصي مع الصياغة المقالية في لون مختلف لإيصال الفكرة.

في "لقد قتلت صديقي" جاءت قصة الراوي على لسانه في صورة رسالة إلى عبد الوهاب مطاوع الذي ساهم في تشكيل وعي أجيال و كان حلم الكثير أن يكتب له رسالة أو إلى بريد الأهرام عامة .. و إن كان هناك مِن تأثر به إلا أن التأثر الأكبر عبر جنبات الكتاب طبعا بالأب المثالي الذي أتم عمره مبكرا... في حين أن هامش "التغيير يا دكتور" ذكرني بأحمد خالد توفيق حين يضمن قصصه حقائق علمية ثم يضع مرجعها أو مزيد عنها في نهاية القصة. أما "نصائح أم مودرن لابنتها" فكأنها معارضة أدبية لوصية أمامة بنت الحارث بلغة جديدة وإن كان المضمون يصلح لكل أم ليست بالضرورة مودرن.

بجانب المواضيع الاجتماعية و القضايا الحياتية الأكثر تناولا في الكتاب، هناك قصص تستخدم الرمزية لتناول فلسفة أو فكرة أكثر تجريدا عبر خيال خصب و صور مبتكرة كما في "السفينة" والتي تبدو كأنها قصة من الأساطير القديمة - وإن لم تكتمل، وكما في "الفراشة" المسكينة الحائرة.

التجارب الشخصية قيمة و طريفة مثل ما جاء في "علموا أولادكم أن يقولوا لا" و مقالة "ازدراء اللغة العربية" التي تحكي عن صلاة الباي باي :) وللأسف بالفعل يبدو الأمر أكبر من مجرد عقدة الخواجة فقط.

المقالات عن الولايات المتحدة تتناول تصحيح الصورة الذهنية النمطية عن أمريكا عند المصريين بالإضافة إلى النظرة الإيجابية للأمور عند المقارنة مثل ما في "حاجات بمصر أحسن من امريكا"... لكن في "حكايتنا مع أولاد العم" استغربت أن الصورة الفلكورية الأسطورية عن الطقوس اللاإنسانية عند اليهود و التي كنا نتداولها و نحن أطفال ما زالت حية إلى الآن بل و مصدر خوف و تربص عند التعامل معهم.

بالنسبة لإخراج الكتاب فالغلاف تقليدي يعرض فكرة مباشرة لا تعكس تنوعه فيصوره على أنه فقط مجموعة قصص من مصر وأخرى من أمريكا يرمز لها بماذا غير الأهرامات و تمثال الحرية... بالطبع تعجبني أكثر صورة أريج الحالمة على صدر المدونة.

هناك عدة أفكار لترتيب مواضيع الكتاب (التي تحتاج فهرس) دون الاعتماد فقط على الترتيب الزمني لكتابتها.

لم أقرأ من قبل من إصدارات دار دون لكن الانطباع الأول انها دار نشر تجارية تحسن الانتقاء وتكتفي بذلك على حساب مستوى الاحترافية المطلوب، فبعض الأخطاء المطبعية و الإعرابية المتناثرة هنا و هناك يشير إلى تخليهم عن دور التدقيق اللغوي في إخراج الكتاب. بالطبع الدار محققة تواجد قوي و تساعد في ظهور الوجوه الجديدة في الكتابة من المجتمع الافتراضي عبر الإنترنت إلى جمهور الكتاب العادي الأوسع، لكن ربما تحتاج لإعادة النظر في سياسة تسعيرها إذا قارناها بالمنافسة مع تجربة الشروق مع المدونات التي وإن كانت محدودة لكن حققت انتشارا كبيرا.

يبقى في النهاية أن أقول أننا في انتظار الكتاب القادم :)


Friday, April 01, 2011

في التمييز الإيجابي

استأت كثيراً من تلك النظرة الدونية و الاحتقارية لشعب مصر العظيم (على رأي الجيش) في إطار حملة البعض على نسبة العمال و الفلاحين في البرلمان. حيث سادت لهجة تنتقص من قدر العامل و الفلاح بشكل مبالغ فيه وافتراض الجهل متلازما معهم - في حين تناسى الكثيرون أن هناك من حملة المؤهلات العليا و الدكاترة و المهندسين ممن يشغلون حتى مناصب بل و من حملة الماجستير و الدكتوراة مَن وعيهم السياسي صفر كبير جدا بجانب الكثير من البسطاء بل وحتى الأميين ... فالأمية السياسية ليست ملازمة لفئة كما أن الوعي السياسي ليس حكرا على أحد - و للعلم "لولا" رئيس البرازيل ورائد نهضتها عامل.

ولكن رغم هذا فأنا لست مع تخصيص نسبة أيضا و إن كان لليساريين وجهة ورأي معتبر في تمسكهم بها وهي محاولة التمييز الإيجابي لهم كمحاولة لمنع سيطرة أصحاب المال على مفاصل الحياة السياسية ، ولكني أرى أن هذا لن يمنع من صاحب رأس المال من أن يقف من خلف مرشح عامل أو فلاح ويدعمه بقوة ليحقق له مصالحه ويوجهه كما يشاء (أي يشتريه) ، لذا فالأولى هو البحث عن آليه أخرى تمنع تغول المال في السياسية بدلا من الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص و الانحياز للتمييز الإيجابي.

فالتمييز الإيجابي بكل صوره وأشكال تطبيقه يعتمد على التمييز و التفرقة سواء المرأة أو الأقلية أو ذوي الاحتياجات الخاصة .. إلخ مما يؤصل أكثر لهذه التفرقة ويخل بتكافؤ الفرص كفكرة مجردة ، لكنه نشأ في الغرب و لاقى قبولا و رواجا في التطبيق في بعض مناحي الحياة نظرا - ربما - لما كانوا يعانون منه من عقدة الشعور بذنب ارتكاب جريمة الاضطهاد في حق اليهود أو السود أو المرأة

لكن لننظر لم يتم طرح الفكرة عندنا رغم اختلاف الخلفيات و السياق عن الجو الذي نشأت فيه؟

- فبالنسبة للعمال والفلاحين فنحن لسنا في الخمسينات الآن، ورغم أن التخوف من رجال الأعمال الآن أكثر من التخوف السابق من تدخل ملاك الاراضي في إفساد الحياة السياسية قديما، لكن بالتأكيد يمكن إيجاد حلول و آليات لمنع ذلك غير هذه الفكرة التي لم تحقق أبدا المراد منها

وبالنسبة للمرأة فلا أظن أننا نعاني مما كان يعاني منه الغرب من اضطهاد للمرأة و النظرة الدونية لها في الفكر الأوروبي القديم من أنها أس البلاء وسبب خروج الإنسان من الجنة وذلك قبل التخلص من السيطرة الكنسية رغم استمرار التمييز ضد المرأة عندهم بعد عصر النهضة بفترة كبيرة ظلوا بعدها يحاولون إصلاح ذلك من خلال منظور عقدة النقص باستخدام التمييز الإيجابي لصالحها لإصلاح تراكمات الماضي وعقدة الذنب من الثقافة القديمة - كما أنه ليس عندنا الممارسات و الثقافة التي تعامل بها المرأة في دول الخليج مثلا حتى نبحث لها عن حقوق ضائعة باستخدام التمييز

أما عن أمر كتمييز ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل مثلا فإن من يُسلب منه قدرة معينة يوهب مهارة أخرى يجعله الله متفوقا فيها عن أقرانه فيكون متميزا و يثبت نفسه أمام ميزان تكافؤ الفرص..، وهل احتاج طه حسين تمييز إيجابي للمكفوفين كي يكون عميد الأدب العربي؟

أما تمييز أقلية كالأقباط فكما قلت أننا ليس عندنا عقدة الغرب من أعمال إبادة النازيين لليهود أو الأمريكان للهنود الحمر أو استعباد السود حتى نحاول إصلاح ذلك بالتمييز الإيجابي - بل كان عندنا اقتصادي مصري من الأقلية اليهودية لم يحتج لكي يحقق نجاحه أياً من قوانين التمييز التي كانت تمنح للخواجات - أما الاضطهاد الذي كان حاصلا كان شاملا الجميع أقباط و إسلاميين و غير أصحاب الوسايط - وينبغي ألا يكون علاج ذلك باستخدام فكرة التمييز الإيجابي فنحن لا نريد أن نصبح لبنانا آخر تكون فيه المحاصصة الطائفية هي الحل

خلاصة القول أن مبدأ تكافؤ الفرص و المساواة هو الأصل في تحقيق العدالة و ليس هناك ما يستدعي استخدام التمييز الإيجابي اللهم إلا في حالات محددة يكون ظاهر فيها جدا أن عدم استخدامه سيوقع الظلم على قطاع معين

الماسات الهاربة

كانت رائعة فعلا بذوقها العالي و حسها الساخر وقضاياها المتنوعة لكن لا أدري إن كانت وجدت طريقها للنشر أم دفنت ولم يجد صاحبها الفرصة .. هي مجموعة قصصية وجدتها بين أوراقي القديمة فتذكرت "المنتدى الأدبي" ذلك النشاط الذي كان .. في الكلية مفجرة الإبداع و قاتلته في آن.. تذكرت كيف عرضت عليهم قصتي اليتيمة وقتها وأنا في قمة الارتباك و كيف لاقيت من الحفاوة و النقد الأدبي و التحليل الرائع ما ربما لا يجده ضيف هدى العجيمي في برنامج مع الأدباء الشبان... تذكرت اللقاءات الشعرية و مقدمة علم العروض التي تم عرضها بأسلوب رياضي سلس كأنها حصة جبر... تذكرت كيف كانت الكلية تحصد الكلية الجوائز من منافسي دار علوم في مسابقات الجامعة ثم كيف بدأ النشاط يموت رغم إلحاح مسئول رعاية الشباب على إدراجه في نشاطات الكلية لا لسبب إلا ليبقي على الميزانية المخصصة له ... طفت على الذاكرة أسماء بعض من أعضاء المنتدى مثل محمد حمدي (كاتب المجموعة) و نزار عبد العزيز و خالد محمد خالد و محمد عبد المقصود و محمد بيلي الذي شاركت معه في عمل تحقيق صحفي لم ير النور مع أحمد بيومي و مروان أبو شمالة و مروة داود رئيسة تحرير مجلة "رسالة" - الأسرة الطلابية الوليدة وقتها قبل أن تصبح الجمعية الخيرية ذائعة الصيت و الانتشار.

أظن أن القصة القصيرة التي تحمل المجموعة اسمها تلائم أجواء مابعد الثورة التي نعيشها الآن حيث آن الأوان لكثير من الماسات المهاجرة أن تعود لتساهم في بناء مستقبل جديد للبلاد.





Sunday, January 02, 2011

في تأثير الدومينو

ليست المشكلة في من حرك القطعة الأولى، لأنها ستتحرك حتمًا وقتًا ما سواء بفعل فاعل أو من تلقاء نفسها، المشكلة الحقيقية في ترك القطع تتراص خلف بعضها دون انتباه لها أو لتسلسلها المتتابع ربما لصغر حجمها وقلة أهميتها بالنظر لكل واحدة على حدة على أنها نكتة سوداء صغيرة مهملة ليس منها خطر، ثم عندما تتهيأ التراكمات بانتظار لمسة خفيفة كالقشة التي تقصم ظهر البعير يبدأ التأثير بتسارع لا يمكن إيقافه و يكون عندها قد فات الأوان !

Saturday, January 01, 2011

انتصرت الشريعة

‎--
يا مرحبا بانتصار الدويلات و عصر ملوك الطوائف !
أتخيل لو لا قدر الله حدث سيناريو مشابه عندنا و تم إعلان الصعيد دولة قبطية و يظهر بيان من حركة حفص يعلن أن الشمال أصبح دولة إسلامية و لا بديل عن تطبيق الشريعة، و تستجيب حكومة الشمال للرغبات الشعبية الجارفة و لإلهاء البشرية عن الأزمة الحقيقية و تعلن تطبيق الشريعة و إلغاء كافة القوانين الفرنسية الوضعية الكفرية النصرانية القذرة منذ اليوم الأول للانفصال، و تتصايح الجماهير الله أكبر و لله الحمد و انتصر الإسلام، و تسود عموم البلاد الفرحة العارمة و الاحتفالات و الزهو و الانتشاء وينامون قريري الأعين ملء جفونهم من خدر السعادة و الرضا دون أن يلاحظ أحدهم أنهم مازالوا تحت نير عبودية نفس الحكام الذين رأوا من طبائع استبدادهم ما رأورا فساموهم سوء العذاب و تحكموا في ثروات بلادهم ولم يعطوهم الفتات، ولم يظهر لأحد أنه لم يتغير سوى العناوين سواء في الشمال أو الجنوب تعلنها نفس الوجوه بعد تعديل ظاهري و تغيير للأقنعة ارتضته الشعوب الحالمة التي ارتاحت ضمائرها بالنصر المزعوم ولا حول و لا قوة إلا بالله

جودو جاي امتى؟

مللت من جدل الإصلاح من الرأس أم القاعدة لأن الأمران مطلوبان معا على التوازي، و لكن مازال البعض من أصحاب فكرة إصلاح المجتمع و تجنب العمل السياسي أو السعي لأي سلطة أو منصب مصرين على موقفهم بحجة أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم لذا فهم سيسعوا فقط في محاولات تغيير الناس و إصلاح القاعدة ثم يجلسوا في انتظار الكائن الفضائي الذي سيبعثه الله على الأمة التي أصلحت نفسها مكافأة على قيامها بالتغيير متناسين أنهم قد تركوا بالفعل الساحة التي عزفوا عن المشاركة فيها للاعبين آخرين لن يكون من بينهم جودو أو المهدي المنتظر أو المخلص الذي جلسوا ينتظرونه كمنحة من الرب دون أن يحاولوا صنعه وقد فعلوا ما هو مطلوب منهم وزيادة في ظنهم.