Thursday, March 16, 2017

عن ثقافة المقالب و التسريبات

عن المعزة و زكية زكريا و خاموتخا بريخر ومكالمة كنتاكي و فودافون و أشياء اخرى
طيب أنا عندي كلمة عايز أقولها بقى بمناسبة المعزة واللي بيربطها
عمري ما كنت مستسيغ أبدا فكرة برامج المقالب والسخرية من ردود فعل الناس إزاء موقف غير متوقع أو وضعهم في ضغط عصبي واختبار تصرفاتهم حيالها، خاصة مع تعمد فريق البرنامج أحيانا السخرية ليس من الموقف ولكن من ثقافة طبقة معينة من الشعب مثل "كوكو واوا" و "يا عاتشيف" تلك الجمل المشهورة في برنامج زكية زكريا (إبراهيم نصر) التي استغلها بعد ذلك طارق نور بغطرسة واستخفاف في أحد إعلاناته الاستهلاكية.
المهم كان من السهل جدا على منتجي تلك البرامج وطاقمها التنصل بسهولة من أي انتقاد أخلاقي بوضع موافقة الضحية في نهاية الحلقة على سؤال "نذيع ولا ما نذيعش؟" ذرا للرماد في العيون، فكان هذا عاملا في تسكين ضمائر المتلقين حتى يضحكوا ويقهقهوا دون أدنى تعاطف مع صاحب لو المقلب لو تعرضوا لمثل موقفه، فقد قبض الثمن من الشهرة حتى ولو صار مسخة وأضحوكة بمحض إرادته.
ساهمت برامج المقالب والكاميرا الخفية تلك في جعلها ثقافة أكثر انتشارا من مجرد خدع بسيطة بين الأصدقاء في أعياد الميلاد و الحفلات، بل صارت تجرّئ الكثير من المراهقين والمرضى على تجربة هذه اللعبة ونصب الفخاخ للناس لمجرد التسلية دون أي رادع، فتجد فتاة ترتدي الأقنعة المخيفة في أحد المصايف وتأتي من ظهر كل مار في الشارع طالبة المساعدة، ثم تضحك من فزعه وتجري غير عابئة بما إذا كان ضحيتها كبيرا في السن أو صاحب مرض، وترى ثلة من الأطفال يتظاهرون بمحاولة مساعدة كفيف لعبور الشارع ثم يتركونه وسط السيارات ويتضاحكون!
بعد عصر التليفزيون ومع انتشار الإنترنت، ظهرت موجة جديدة من المقالب عبر التليفون، حيث يقوم أحد العابثين المستهترين بالاتصال بأحد مراكز خدمة العملاء واختلاق قصة سخيفة يسلي بها وقته مستغلا عدم قدرة الموظف المسكين على الرد بوقاحة مقابلة أو إنهاء المكالمة، ومن ثم يقوم بتسجيلها وتداولها بين دوائره، ثم تتلقفها المواقع والمنتديات الباحثة عن الترافيك الرخيص لجذب المزيد من الزوار.
ربما أقدم مثال لهذه الموجة كان مكاملة من عميل يتحدث إنجليزية بلكنة إسرائيلية مع إحدى شركات الاتصالات طالبا مساعدة مزعومة لبحث عن رقم صديقه في دليل التليفونات باسم "خاموتخا بريخر" بالعبرية ويظل طول المكالمة يراجع حروف الهجاء من A إلى Z باحثا عن حرف ال"إخ" التائه!
ظهر بعدها سيل من المكالمات المشابهة عالميا وعربيا مع شركات وخدمات ومطاعم مثل كنتاكي و ماكدونالدز و كليك / فودافون وموبينيل وغيرهم.
الملاحظ هنا أن انحسار المسكن الأخلاقي لبرامج الكاميرا الخفية من استسماح للضحية، فقد انتشرت الثقافة بالفعل وصار لها جمهورها الواسع، فلا حاجة لمسكنات أو تسويغ وليذهب الموظف إلى الحجيم حيال متعة السخرية بهذه السماجة السخيفة التي لا يستطيع ردها فيفقد وظيفته البائسة التي ينتظرها آلاف غيره ليعملوا مكانه!
أما آخر تطورات تلك الثقافة، فقد اكتسبت بعدا جديدا من الجرأة الوقحة بعد أن صار التجسس وتسريب المكالمات خاصة ديدنا عاما مقبولا مجتمعيا ومسياسة دولة بأكملها تنشره لخصومها ، بل وحلفائها، على أوسع نطاق ليس عبر قنوات خلفية ومواقع صفراء، بل على محطات فضائية جماهيرية واسعة الانتشار،  فلم يعد من يستنكر مثل هذا إلا صوتا نشازا لا منصت له... في هذا السياق ظهر ذلك التسريب الأخير من مجموعة مكالمات خاصة لأولياء أمور مدرسة عبر الواتساب لأم تشكو أخرى سلوك ابن الثانية حيال ابنة الأولى، ليتلقفه أحدهم ويضيف عليه ذلك الرد المختلق حول المعزة ومن يربطها ثم ينشره من أجل تلك التسلية الفارغة ويحدث تلك الضجة التافهة.
ختاما، كان هذا الرصد ليس إلا محاولة فقط لأن يكون هناك صوتا آخر، فقد هالني غياب أي استنكار جاد، حتى ولو وسط التضاحك على تلك الهزليات التي ننسى بينها بؤس ما وصل إليه المجتمع وما صار يقبله ببساطة هكذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.