Sunday, April 20, 2008

الري بالتنقيط في ضوء الشريعة

لماذا كلما استجد علينا أمر نبحث في الماضي عن شبيه له و نحاول أن ننزل وقائعه على عصرنا.. و لماذا يكون كل اجتهاد مستحدث أمر مرفوض ومستهجن ولماذا دائما السابقين على حق و صواب و علينا أن نحذو حذوهم؟
 
حقيقة لا أرى فرقا كبيرا بين سؤال السائل عن حكم الإضرابات والعصيان المدني ومنهج التغيير في ضوء الشريعة و السؤال عن الري بالرش أو التنقيط في ضوء الشريعة !
فهذا أمر من أمور الدنيا في مجال السياسة و هذا أمر آخر في مجال الزراعة.
 
الشريعة فصلت لنا أمورا كثيرة بوضوح لا يمكن الخروج على أحكامها و تركت أمورا كثيرة أخرى مسكوت عنها لإفساح المجال للإبداع البشري الإنساني عامة فلماذا نبحث عن تقييد ما سكت عنه الشرع؟
 
الشريعة وضعت أطر عامة نتحرك داخلها (مثل وضعية الدستور كإطار لسن القوانين) لكن التفاصيل نتحرك فيها بحرية ولا يلزمنا استنساخ تجارب ماضية حتى لو كانت ناجحة في حالتها ففي النهاية هي تجربة إنسانية و ليست شرع
 
مقولة الإمام مالك - رحمه الله - أنه "لن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" لا تقول لنا إذا تدهور حال الزراعة و فسد فإنه سيصلح بأسلوب الري الدائم التي صلحت به أيام محمد علي مثلا أو ري الحياض التي صلحت به في الدول الإسلامية السابقة، إنها فقط تحثنا على التمسك بالمنهج وطاعة الله ورسوله و ترك البدع .. إلخ. لكن لا تتكلم عن موضوع بعينه كصلاح أمور السياسة أو الزراعة أو ...
 
تحفظي على العودة إلى الماضي لا ينفي أهمية الاستفادة من التجارب الإنسانية عبر التاريخ و لا شك أن تجربة الخلافة الراشدة صورة مثالية و إن كنت أختلف مع من يتوقفون عند هذه التجربة فقط و يهيلون التراب على كل ما بعدها.... لا ضير أن نعتبر هذه التجربة نموذجا لكن فقه الواقع و الممكن يفتح لنا آفاق تجارب كثيرة حتى و إن كانت لا توصل إلى هذا النموذج

أظن أنه من نعم الله علينا أنه لا يوجد في الإسلام تعريف لنظام حكم قياسي ولا آليات لتولية حاكم أو خلعه إنما فقط أطر عامة بالأمر بالعدل و تحريم الظلم و تحريم قتل النفس بغير حق ... إلخ
 
أعود و أؤكد على فكرة المفصل و المسكوت عنه في الشرع فمن الأحكام المفصلة مثلا:
- قوانين الأحوال الشخصية كالميراث و الزواج .. إلخ
- أحكام الجنايات و العقوبات كالسرقة والزنا و شهادة الزور
- بعض الأمور في السياسة المالية مثل الزكاة كمصدر دخل خزانة الدولة
- بعض الأمور في السياسة الاقتصادية كتحريم الاحتكار
وهكذا..، أما نظام الحكم فلا يوجد فيه تفصيل و ترك للاجتهاد و الإبداع وقد حاول العلماء الاسترشاد ببعض الآيات و الأحاديث القليلة في أمور متفرقة بالإضافة للتجارب السابقة ليخرجوا لنا خلاصة اجتهادهم فيما أسموه " السياسة الشرعية " و التي علينا الاستفادة منها لكن هذا لا يغلق آفاق الاجتهاد و التباين في المناهج  والأساليب بين مدارس مختلفة

4 comments:

  1. مشكلة العامة والدهماء أمثالنا أنهم لايقدرون جهد العلماء عامة وعلماء السلطانة بصفة خاصة
    فعلماء السلطان يبذلون الغالي والنفيس من اجل استخراج النصوص القديمة التي تتماشي مع روح العصر وتسير لنا حياتنا في عصر مابعد الفيمتو ثانية بمنطق ماقبل التاريخ ومن يُعمل عقله ويناقش فهو مجادل ويحق عليه العذاب المقيم

    هذا هو منطق علماء السلطان الذين اصبحوا يتدخلون في السياسة لتفصيل الفتاوي التي تناسب العرض والطلب ومن يخرج على هذه الفتاوى فليتبوأ مقعده من النار

    لاأجد مااقوله لك غير اللهم ارحمنا من هكذا علماء

    تحياتي

    ReplyDelete
  2. السلام عليكم
    عجيبة مقالتك هذه التي أسأت استهلالها بقولك "...فهذا أمر من أمور الدنيا في مجال السياسة و هذا أمر آخر في مجال الزراعة"
    ما كنت أظن أن أسمع هذا منك!
    أولسنا مطالبون أن ننظر قبل أي فعل هل للإسلام فيه أمر أو نهي أم لا؟
    أولليس الإسلام عقيدة و شريعة؟
    أوليست أبواب السياسة الشرعية من أوسع أبواب الفقه الإسلامي؟
    إن كنت لا تعلم - و هي مصيبة - فاعلم أن مسألة الإضرابات و العصيان المدني لها أصول في الفقه الإسلامي, انظر تفصيلها هنا :
    http://rdsamadi.maktoobblog.com/928080/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D9%85%D8%B5%D8%B1_%D8%A8%D9%8A%D9%86_%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9_%D9%88%D8%A5%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9/
    أما إن كنت تعلم, فالمصيبة أعظم, و لا أرد عليك إلا بأول جملة سطرتها بيدك في مقالتك:
    http://amro.blogspot.com/2008/05/blog-post_20.html
    حين قلت:
    من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!
    أختم, انتبه لما تقرأ, فإنه يأسرك.
    و السلام

    ReplyDelete
  3. عرضت في المقال نموذج للخلط بين ما هو حضاري (مدني) وقانوني أو ثقافي مرتبط بالدين. الري والرزاعة والصناعة أعمال حضارية (مدنية- أو عمرانية) لا تتعلق بالدين أو بالأخلاق.. ومدارها المصلحة ودفع الضرر.
    أما نظام الحكم، أو أدوات التعبير، مثل الإضراب أو التظاهر فهي أعمال مرتبطة بالقانون والأخلاق، وبالتالي مرتبطة بالدين كذلك. إباحة أو تحريما
    والسياسة كإدارة أمور العامة، أو الرعية أو الشعب (كلها أسماء لشيء واحد) متعلقة في أساسها بالدين. ليس بالضرورة كل أمر فيها محدد بنص، ولكن التوجه العام يحكم المسار الكلي.
    لا ننكر وجود بعض التجاوز من بعض العلماء، ومن بعض العامة (سواء طلبا للمصلحة أو تجنبا للمخالفة الشرعية)، لكن يظل الدر الأكير لأهل العمل مطلوبا ومقدرا

    تحياتي

    ReplyDelete
  4. تعقيبات:
    - ليسوا كلهم علماء سلطان بل جلهم يعاني مضايقات أمنية كثيرة من السلطان، فهم علماء مستقلون مخلصون ينهلون ربما من مدرسة واحدة وهنا تكمن مشكلة الإتيان بفتاوى مستوردة مع عدم مراعاة الفرق في المكان و الظروف التي صدرت فيها

    - لم أزعم تقديم أطروحة علمية في غير فني..، تأصيل الشيخ الصمدي يشبه الأذان في مالطة وسط زخم الفتاوى المضاد التي تبدأ كلها بقولهم أن الصحابة لم يقوموا بإضراب دون أن يقولوا أن الصحابة لم يشهدوا حكم الطغاة

    - ربما فعلاً المقارنة مع الفارق "أنتم أعلم بأمور دنياكم" تنطبق أكثر على الزراعة طبعاً، ما أردت قوله هو أن عدم وجود سابقة لحالة ما لا يتطلب بالضرورة تحريمها سواء في الزراعة أو السياسة، وعذرا على الخلط

    وشكراً

    ReplyDelete