Wednesday, May 30, 2007

الإسلام بين التنوير و التزوير - د.محمد عمارة

أسلوب رائع، أفكار مرتبة، بحث منهجي، حياد مترفع عن الأهواء أو الآراء الشخصية العاطفية، استقصاء للفكرة من جذورها و أعماق أصولها، اعتماد الدليل و البرهان و عدم إطلاق الكلام على عواهنه... تلك هي الصورة التي ارتسمت في ذهني عقب أولى قراءاتي للدكتور محمد عمارة.
 
من خلال هذا الكتاب أيضاً تبين لي أن د.عمارة خصم شرس مرهوب الجانب في الكثير من المعارك في الفكرية مع مناهضي التوجه الإسلامي شكلاً و موضوعاً أياً كانت مرجيعاتهم و فسر لي هذا سر التربص الشديد و الترصد له و محاولة تصيد أية زلة له و إثارة زوبعة عليها لكنه أحوط و أشد حرصاً، كما علمت أن خلفيته الماركسية القديمة أصقلته و جعلته أقدر على المواجهة و فضح الخصوم.
 
في هذا الكتاب: "الإسلام بين التنوير و التزوير" يعالج د.عمارة ظاهرة الاستقطاب الفكري الذي بلغ مبلغا عظيما من الغلو و الطائفية الثقافية التي يحرسها الخارج من أجل تحقيق كامل التبعية له. فهو يدعو لفتح قنوات حوار مع كل التيارات لتحقيق الاستقلال الفكري أولاً ليبحر الجميع معا في زورق غير "مخترق". و كواحدة من آليات تحقيق هذا الاستقلال، يسعى الكاتب في هذه الدراسة إلى "تحرير المفاهيم" حتى نستطيع التحدث بلغة واحدة و إنقاذ حوارنا من مصير حوار الطرشان.
 
يتناول الكتاب هنا، في قضية تحرير المفاهيم و المضامين للمصطلحات النتداولة، مصطلح التنوير في سياق حملة وزارة الثقافة سنة 1993 التي أصدرت 50 كتابا بمعدل كتاب كل يوم تحت شعار التنوير و المواجهة أو "رموز التنوير في مواجهة الظلاميين" فيدعو الكاتب لاتخاذ سبيل الحوار بديلا عن تلك "المواجهة" و الاستقطاب فيتساءل ،بعيدا عن التعمية و حجب الحقيقة، عن حقيقة التنوير أهو غربي أم عربي وما مدى اتفاق مضامينه مع ثوابتنا. فيصل إلى أن جذور التنوير المقصود ترجع إلى فلسفة رفض تجاوز الكنيسة حدودها و الدعوة لتمجيد العقل بديلا عن قداسة الدين و التحرر من التقاليد كرد فعل للوضع السائد في أوروبا وقتها؛ وكان رواد تلك الفلسفة فرنسيس بيكون ثم فولتير و روسو و جوتة و كانت .. إلخ
بالمقارنة يثبت الكاتب عدم وجود أدنى تشابه بين حضارتنا الإسلامية و النسق الفكري الإسلامي و بين ظروف نشأة التنوير الأوروبي الذي بلغ في شدة النزعة المادية إلى نشر الإلحاد كردة فعل إزاء الموقف الكنسي الكهنوتي المهيمن على كل المقاليد وقتها؛ من ثم فما الذي يدعونا لاستدعاء هذا النموذج التنوير ليكون تنويرا لنا نحن المسلمين؟ إنه لا مانع من حيث المبدأ شريطة أن نعي تميز و تغاير المضامين التي يحملها المصطلح عندما نستخدمه في السياق الإسلامي، فالمصطلحات - كأوعية - تتحد اسماً في الأنساق الفكرية و الحضارية المختلفة لكنها تتباين في المضامين و المفاهيم من نسق فكري لآخر.

No comments:

Post a Comment