أظن أن المحصلة العامة للثقافة الإسلامية قد وصلت لمرحلة من النضج بشأن قضية الإعجاز العلمي التي أخذت حظها من الأخذ و الرد الكثير حتى استقرت إلى حد ما الموجة العالية التي ركبها كثيرون في محاولة إقحام القضايا العلمية إقحاما في تفسيرات لا تحتمل ذلك فضلا عن هشاشة الكثير من القضايا العلمية أصلا كونها نظريات قابلة لأن تظهر نظريات أجدد تقوضها و ليست مسلمات مما يسقط معه هذه المحاولات التفسيرية للقرآن و السنة إذا ما أتى العلم بجدبد مناقض.
و إن كان الأمر ما زال له رواجه و رونقه و شعبيته الهائلة بين العامة وما زالت تتردد مقولات فولكلورية كثيرة من الحكمة الإلهية العلمية وراء أمر ما في الشريعة كالإعجاز في تحريم الخنزير لأنه يأكل القمامة و به دودة شريطية .. إلخ، و كأننا لو أكّلناه علف نظيف سيكون حلالا أو لو وجدنا الخرفان مصابة بدودة شريطية ستصير حراما..
لكن هناك محاولات لإعادة تصويب هذا الفكر بالتأكيد على أننا فقط مأمورين بيتنفيذ ما أمرنا بالله كما تعبدنا بذلك لإيماننا بعظيم حكمته و دون الحاجة للتفتيش وراء هذه الحكمة التي إن شاء أظهر لنا منها ما شاء أو أخفاها عنا.
المشكلة أن هذا التصويب لم يتم استكماله ليشمل قضايا أخرى تندرج تحت نفس المنطق الذي يحاول البحث عن الحكمة من كل أمر و كل نهي ويبني افتراضات يفسر بها ليصل إلى آراء هدفها هنا ليس موجة الإعجاز العلمي و لكن الرد هل مهاجمي الإسلام و محاولة "الحوار" معهم..
فتجد محاولي "تحسين الصورة" عندما يهاجمون بأن إرث المرأة نصف الرجل أو بالتعدد للرجل مثلا، تجدهم ينطلقون في عقد المقارنات يقولون انظر إلى السياق قبل الإسلام كيف كان المجتمع الجاهلي يهين المرأة وينتقص حقوقها ولا يعطيها ميراثا و يبيح للرجل التزوج كيفما شاء دون حد .. إلخ.
و هم بذلك وقعوا في خطأين أحدهما هو الانسياق وراء تبرير الأحكام الشرعية و إيجاد مسوغات لها و الذي أوقعهم في فخ كارثي أكبر و هو ربطها بسياق تاريخي - و الذي يعني ضمنيا عدم عالمية الرسالة لكل زمان و مكان، وأنه بتغير السياق يجب علينا أن نتخلى عن تلك الأحكام القطعية و نغيرها تماشيا مع العصر ومراعاة للمناط التاريخي!
أما ثانيا و هو الأهم هو انسياقهم أصلا في تقبلهم الهجوم من حيث المبدأ و من ثم انطلقوا يردون و يسوغون ويبررون من موقف الشعور بالذنب و الضعف، في حين أن الأولى هو رفض هاتيك "حوارات" من بابها وعدم السماح للغرب في التطفل و التدخل في خصوصياتنا، و إن فعل فما أسهل الرد بهجوم مماثل لما هو عندهم و غير متسق مع منطقهم الذي يهاجمون به، بدلا من أن ندور في حلقة رد الفعل المنهزمة المؤدية لحوارات متخاذلة و استجابة لضغوط بسن قوانين و تغيير مناهج على هوى غيرنا، فضلا عن أن نقوم نحن بالمبادرة في "الحوار" بالتفاتة إلى تمييز القوانين الإسرائيلية أو دعم مناهجهم وشريعتهم للإرهاب الحق و العنصرية الفجة مثلا.