Sunday, August 01, 2010

ألفباء إيمان

"العبادات القلبية" كتاب يجب أن يقرأ (أو يسمع) للدكتور ياسر برهامي أستطيع القول أنه يتناول أبجديات الإيمان بالله الحقيقية في ظل زخم من المصنفات و الخطب التي تتعرض لموضوع العقيدة و الإيمان بالله و التوحيد وتقدمه للعامة على أنه ما لا يسع المرء جهله بأسلوب أكاديمي عتيق أبعد ما يكون عن التبسيط لعقيدة الفطرة التي لا تحتاج لكل هذا التكلف و استحضار صراعات فكرية من قبورها كالصراعات القديمة مع الفلسفة اليونانية أو إحياء الجدل حول مذاهب شبعت دفناً كالمرجئة و الجهمية..إلخ من قضايا تاريخية عفا عليها الزمن لا تعني المسلم البسيط في شئ من أن نشغل بها اهتمامه ليقوم ويسير في مظاهرة ضد مفتعلي فتنة خلق القرآن مثلا !
 
اقتباس من خاتمة الكتاب:
 
و عبادات القلب - أكثرها إن لم تكن جميعها - واجبة لا تنقص من القلب إلا انتقص الإيمان...
...
فليس التوحيد هو مجرد ترك ما يفعله الجهال عند القبور، كما حاول بعض الناس أن يجعل قضية التوحيد هي مجرد قضية التحذير من شرك القبور، و البعض الآخر قصرها على التحذير من شرك الحكم، و البعض الآخر يجعلها مجرد المناقشة و المجادلة مع أهل البدع حول الأسماء و الصفات، أو المجادلة مع المتكلمين حول قضايا الصفات، أو المجادلة مع الصوفية حول قضايا القبور، أو المجادلة مع العلمانيين حول قضايا الحكم و الولاء، حتى يبقى الإنسان مجادلاً طول عمره، و نسأل الله العافية.

وهذه الصور بلا شك من الواجبات فالتخلي عن الباطل و مقاومته و محاربيته واجب، ولا يحصل الإيمان إلا بزوال الباطل من القلب، لكن هناك فرقاً بين تطهير المحل و رفع البناء، ففرق بين أن تنظف المكان و تعد الأساس وبين أن تبني البناء، فليست القضية هي أن تهدم الباطل فقط، ثم تترك نفسك، فهذا كمن يقول: لا إله. ويسكت، فلا يكفيك أنك نفيت الإلهية عن غير الله؛ بل لابد أن تثبتها لله، وتقوم بها لله فبهذا فقط تكون عبدت الله عز وجل كما أمر: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات:56)

حقيقة التوحيد هي هذه العبادات القلبية؛ و هي مسؤولية شخصية لكل واحد من المسلمين، كما أنها مسؤولية جماعة المسلمين ككل، فهي مسؤولية شخصية و جماعية أيضاً في الوقت نفسه، فليس هناك من يدري ما في قلبك و نفسك من أمراض هذا القلب و هذه النفس، نعم قد يدرك البصير الناصح من أهل التقوى و العلم فيمن يعاشره شيئاً من ذلك أو يطلع عليه، ولكنه لن يعرف كل ما في القلب، كما قيل: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا"، قالها النبي صلى الله عليه و سلم لأصحابه، فنحن لا نؤمر أن نشق عن قلوب الناس و لو حاولنا فسنعجز حتماً، ولذلك لم يكلف الله بها جماعة مسلمة، لكن أنت أدرى بنفسك، و أنت المكلف أساساً بإصلاح هذه النفس، و نجاة نفسك متوقفة على هذا الإصلاح، فإن لم تفعل فأنت على خطر عظيم، فهي مسؤولية شخصية لكل واحد منا.

أما المسؤولية الجماعية فتتمثل في التذكرة و النصيحة ببيان أدلة القرآن والسنة و الدرس و المذاكرة و الاهتمام بها و كثرة الحديث عنها، و أن تكون هي مدار فكرنا فالناس دائماً بعيدون عن هذه العبادات، و المتكلم فيها يكتفي بإزالة الشبهة فقط غالباً، أو يجعل حديثه عنها هو حديثاً للعوام دون الخواص، حتى هان هذا الباب على طلاب العلم، ولم يأخذ حقه لا في نفس كل واحد منا، ولا في حجم دعوتنا وبياننا للناس، بل صرنا نسمي من يطرق هذ الباب "واعظاً" على سبيل التنقص و الحط من قدره، فيقال عنه: إنه ليس عالماً ولا طالب علم بل هو واعظ، فكأنما الوعظ أصبح كلاماً يقال لغير الملتزم حتى يلتزم، و أما بعد أن يلتزم فلا، حتى إنه قد أدى ما عليه و انتهى منه، فينشغل عن هذه العبادات بما يراه هو أهم منها، فيلتزم الإنسان ظاهراً، وتظل في قلبه الجاهلية و الضلال الذي كان عليه، و لم يتطهر قلبه و لم يتزك.

فلا ينبغي أن ننسى أن الفرق بين الصحابة و من بعدهم إنما هو حصول هذه العبادات القلبية، و الأحوال الإيمانية و مقامات الإحسان التي أمر الله بها النبي صلى الله عليه و سلم فهذه هي المسؤولية الجماعية، فكلها مكملة فقط للمسؤولية الشخصية، و التي هي حجر الأساس، فقد يحضر رجل درساً ممتازاً عن أحوال الخوف و أحوال الرجاء، و ربما يتكلم جيداً عن الإخلاص و تعريفه و يمكن أن يحسن الإنسان ذلك، لكن لا نجاة له لمجرد أنه يتكلم أو يعرف دون أن يمارس و يعمل،و دون أن يوجد الحال، كما هو الفرق بين العالم بوجود الغني و هو فقير و بين الغني بالفعل، فرق بين العالم بحال الأصحاء و هو مريض و بين الصحيح بالفعل.