Friday, July 30, 2010

العنصرية النائمة - الحيرة

اقتباسات من الحب في المنفى - بهاء طاهر

 
العنصرية النائمة
 
ألف الدكتور في بلدتنا الصغيرة جمعية لمكافحة العنصرية ضم إلبها ألبرت وبقية الأفريقيين و بعض الأجانب ممكن كانوا يدرسون في الجامعة.. و كان مولر يدعو أصدقاءه النمساويين القلائل و يلقي خطباً و ينظم مظاهرات في الميادين العامة ضد العنصرية. و يقم احتفالاً بيوم أفريقيا. و يغقد ندوة باسم "من أجل عالم واحد".. إلخ إلخ.. ومن وقتها تغيرت البلدة.. قبلها كانت الأمور تسير، أما الآن فقد صار الناس إما مع جمعيته و هم على الأكثر عشرة أفراد من أهل البلدة وإما ضد جمعيته و هم بقية الناس.. حتى الذين كانوا يخفون عنصريتهم  أصبحوا يتباهون أيامها بأنهم ضد وجود السود في البلد و يظهرون العداء لكل الملونين.. كانت فرصة مثيرة لأن يحدث شئ في مدينتنا الصغيرة الراكدة.. لأن يكون هناك موضوع كبير يهتم به الناس.. موضوع يذكرهم بأيام الحمى الآرية و ألمانيا فوق الجميع و هذه الأشياء.
...
لم يرد أبي أن نتزوج. قال لي على طريقته في الكلام: ولكنك لست عاملة في بار!.. يمكن أن يمر هذا الزواج لو كنت عاملة في بار.. كأنه كان يرى كل شئ، نصحنا أن ننتظر كما كان قرارنا الأول، ننتظر إلى أن ينتهي ألبرت من الجامعة ومن ماسياس ثم نرحل بعد ذلك معا. قال لنا ما لم نكن حتى تلك اللحظة نفهمه جيداً. قال إن الناس في بلدنا يغمضون عيونهم عن العلاقة بيننا على أنها نزوة عابرة. حرية محكومة يسمحون بها للشباب على ألا تتجاوز الحد. أما الزواج فهو جريمة. دنس للجنس الأبيض كله لا يغفره أحد في بلدتنا. و لم نصدق.

 
الحيرة
 
وجدت بعض أعداد من صحيفتي القاهرية، ألقيت نظرة على العناوين ثم وضعتها جانباً. استبقيت عدد الخميس و فتحت الصفحة الثامنة التي تنشر فيها منار مقالها الأسبوعي، و لكن المقال لم يكن هناك. كان هناك بدلاً منه موضوع ديني "بين الشريعة و التاريخ" فوضعت العدد فوق الصحف الأخرى، وبدأت أدير رقم القاهرة في قرص التليفون و أنا أنظر شارداً للصورة المنشورة مع المقال الديني. كانت صورة جانبية لوجه امرأة محجبة، تغطي الطرحة البيضاء شعرها و تحيط بوجهها. قلت لنفسي و أنا أواصل بطريقة آلية محاولة التقاط الرقم: أنا أعرف هذا الوجه ليس غريباً عني.
ثم فجأة وضعت السماعة و اختطفت الصحيفة.
نعم!.. بالطبع هي منار!.. نعم هي صفحة المرأة كالعادة يتوسطها اسم منار! و هناك عنوان فرعي بخط صغير تحت العنوان الرئيسي "بين الشريعة و التاريخ: ماذا جرى لحقوق المرأة؟"
....
و مع ذلك فهناك رد أبسط: منار تمضي في طريق الفضيلة و أنت تتردى في الرذيلة!
بسيط جداً!
مددت يدي إلى سماعة التليفون و رحت مرة أخرى أدير رقم القاهرة، لكني وضعت السماعة من جديد. و ما رأيك في خالد؟.. بسيط جداً.. يخرج من صلب الطالح صالح؟..
هيا فلتواجه الحقيقة. نعم. أحياناً أشعر بالخجل من نفسي لأنه بمثل هذا الشباب و هذه البراءة و لأنني ذلك الكهل أتشبث بآخر قطرة مما يمكن للحياة أن تقدمه. أذكر جيداً ما قاله إبراهيم عن الظروف التي تصنعنا. إذن فما هي تلك الظروف التي جعلت جبلنا لا يرى في الحياة عاراً؟.. لماذا قبلنا أننا بشر نخطئ و نصيب و نعصي و نتوب، نطمع في رحمة الله و نثق أن أوان التوبة سيأتي قبل أن تضيع فرصتها، ولماذا يريد خالد أن يكون ملاكاً لا يشوب نقاءه مجرد دور من الشطرنج؟.. أعرف أنه لو عاش تلك الحياة مثلما بدأ فلن يعرف الحيرة التي عشناها نحن. لن يحاول أن يصحح ماضيه مثلما تحاول منار بطريقتها و مثلما أحاول بطريقتي. لن يكون في الحياة صراع ولا في الروح صدع. سيكون كل شئ سهلاً و واضحاً. و مع ذلك فهناك شئ في داخلي يقول إن هذا مستحيل يا خالد!.. لم يحدث أبداً أن نبتت للبشر أجنحة الملائكة. لو أنك معي الآن لتكلمنا مثلما كنا نتكلم من قبل كأصدقاء.