Thursday, January 26, 2012

موال راحة البال

من حيث لا يحتسب، جاءته نسبة معتبرة و إن كانت ضئيلة من المال من ميراث قريب بعيد كانت قد انقطعت أخباره بعد سفره و لم يعلم بوفاته إلا حين استدعاه القاضي لينال نصيبه.
فرح كثيرا، و أخذ يطلق لخياله العنان فيما يمكن أن يفعله بهذا المال الذي لا يقارن بما يدره عليه حانوته الصغير من دخل يكفيه بالكاد.
نام ثم صحا مبكرا منتشيا مما رآه في الحلم من متاع سيحققه و ينعم به من هذه الثروة البسيطة.
لم يفتح الحانوت في هذا اليوم، بل أخذ النقود التي حصل عليها جميعا بعد أن و ضعها في صرة و ارتدى أفضل حلة لديه و انطلق إلى السوق.
أخذ يملي عينيه من البضائع غالية الثمن التي لم يكن يفكر من قبل في مجرد النظر إليها، فضلا عن أن يحلم بشرائها، ثم أخذ في شراء كل ما يمكن أن يشتهيه أو تتوق له نفسه توقا شديدا كان أو عابرا، و بكميات لا تكفيه فحسب، بل حتما تفيض عن حاجته كثيرا.
لم يشرع في الانصراف من السوق إلا حين بدأ يتسرب الملل إليه من كثرة الشراء، و كان قد تبقى معه اليسير من النقود ما يكفي لأجرة حمال وشراء بعض السلع البسيطة الأخرى؛ لكنه لم يشأ أن يستأجر واحدا فهو بصحة جيدة لا يحتاج مساعدة، و عله يدخر ما تبقى لمرة تسوق أخرى.
سلك طريقه من السوق إلى البيت ماشيا و هو يمني نفسه بما سيفعله بكل هذه السلع و كيف ستجلب له السعادة... أخذ يفكر كيف سيقوم بإعداد هذا الطعام الذي لم يتناول مثله قط و سمع فقط ما يتداوله الناس عن قصص أثرياء التجار و موائدهم العامرة... تدبر أمره أين سيضع قفص الطائر الذي ابتاعه، و ماذا سيطعمه، و كيف سيدربه... ظل يحسب أنى له أن يهيئ مدخل بيته بتلك التحفة الثمينة ثم يأمن ألا يصيبها أطفال جيرانه و هم يلعبون فيحطمونها...
و بينما هو في منتصف المسير، بدأ يستشعر التعب من الحمل الذي أثقل كاهله و آلم ذراعيه و أوجع قدميه، ففكر أن يجلس و يستريح قليلا أو أن يحاول استدعاء الحمال، ولكنه صبر نفسه بأن المسافة قليلة و عندما سيصل سيلهيه ما اشتراه و ينسيه هذا الجهد.
فواصل طريقه مستمرا في التفكير و حمْل هم أمور مشترياته الجديدة، حتى إذا قارب على الوصول إلى بيته و كان قد اشتد به التعب و بلغ به إرهاق الحمل مبلغه، إذا به يلمح صندوقا ضخما لتجميع القمامة على جانب الطريق، فما كان منه إلا أن ألقى كل حمولته في صندوق القمامة و استستلم تماما لشعور الراحة التي دبت في أوصاله ، ثم أخرج ما تبقى من نقود و أعطاها لأول عابر لمحه في طريقه، و انصرف مسرعا قبل أن يكلمه عابر السبيل و يفهم منه أو حتى يشكره، ثم دخل بيته فبدل الحلة و ارتدى حلة حرفته وفتح الحانوت و طفق يعمل كما لم يعمل من قبل.

Tuesday, January 24, 2012

عود إلى البدايات



"هم ليه ما يعملوش ثورة؟"
لا أذكر تحديدا الدافع ساعتها وراء هذا السؤال الذي لا أظن أنه  نتيجة اهتمام مبكر بالشأن العام لمن هو في الصف الإعدادي لم يمض من عمره سوى عقده الأول ليس له سوى ملاحظات و تذمرات عابرة من النظافة و النظام في الشارع أو سماع تعليقات و حكاوي الكبار عن حال البلد.
لا أظن أني كنت أدرك معنى و أبعاد مفهوم كلمة ثورة وقتها، كما لم أحدد من هؤلاء الـ "هم" الذين سيقومون بها و لم أعرف أنه ينبغي أن تكون "نحن"

خضت الجدالات المشهورة الخاصة ببناء الهرم من القاعدة للقمة أم أن السمكة تفسد من الرأس.
تبنيت الشعار الإصلاحي "بدلا من أن تلعن الظلام، أوقد شمعة" في المقابل كان يرد صديقي الثوري مباشرة بـ "العن الظلام". 
لم ألعن كما طلب و إن كنت أقدر نشاطه في كفاية و معجب بالحراك السياسي الحاصل على الأرض و في المجتمع التدويني الموازي
لم أستمر كثيرا في حمل الشمعة إثر المرور بين حالة و أخرى و عاشرة لا تبقى لك سوى الكفر بالوطن، فما كان إلا أن تغير الشعار إلى "حين يطفئون الشمعة، لا يملك المرء إلا أن يلعن الظلام" فكنت أتعجب من روح الإصرار لدى البعض لكن فقط أغبطهم و أرجو لهم المزيد.

لم أقتنع بفكرة المخلص، كما لم تتبين بوضوح وجاهة فكرة إعداد جيل البناء بعد عقود من ظهور جيل الصحوة الذي لم يخرج من أبنائه جيل النصر المنشود بعد

حين أتت اللحظة التي لم أشرف بلحاق بدايتها و على غير العادة في التظاهرات القليلة التي حاولت بفتور المشاركة فيها دون تفاعل أو حماسة، و جدت لدي رغبة شديدة في الصراخ و الهتاف مع الجموع بأعلى صوت و قد ظهر بصيص لم يتوقع أحد كيف سيحدث هذا الزلزال الرهيب و نقطة البداية أخيرا.